 |
| صورة أرشيفية |
بقلم: سعيد عز الدين
بعد نضال مستمر في الشهر العقاري فرع محرم بك بالإسكندرية، دام لما
يزيد عن أسبوع، نجحنا والحمد لله أنا وزوجتي العزيزة في انتزاع حقنا في إثبات
تاريخ عقد إيجار.
بدأت قصة كفاحنا في الأول من شهر مارس عام 2014، عندما صمدنا في طابور
إثبات التاريخ لما يقرب من ثلاث ساعات متواصلة، على أمل حضور الموظفة المسئولة، لكن
هيهات، فقد خرج علينا كبير الموظفين يومها ببساطة ليخبرنا أنها قاربت على سن
التقاعد وتستهلك ما تبقى لها من رصيد إجازات، ولا يوجد موظف بديل لها.
وتشاجر بعدها بعض المواطنون مع مدير المكتب الذي لم يوفر بديلاً، وطلب منا التوجه للمكتب الرئيسي بالمنشية للشكوى إن أردنا ذلك.
ولا أستطيع تجاهل كلمات "الحاج عادل" -كبير الموظفين- يومها
وهو يصيح في وجهي عند سؤالي عن بديل لتلك الموظفة: "أومال احنا كنا
عاملين إضراب ليه يا أستاذ، مش علشان الفلوس، علشان معندناش موظفين، فالحين بس
يمسكوا الميكروفونات ويقولوا حرية وديموقراطية وثورة معرّ(ض)ة، أنا ليه أعمل
خمسين حاجة في اليوم، وأنا متعود أعمل عشر حاجات بس؟! و بعدين انت كمان حتمشي أسرع"
وهكذا، انصرفنا في هذا التاريخ، دون إثبات التاريخ.
طوال الأسبوع التالي، ظل شباك إثبات التاريخ خالي، ووحيد، كأنه يودع
تلك الموظفة العظيمة , التي لم تفارقه لسنوات طويلة ، إلا في الأعياد أو الإجازات
أو للإنتقال لزميلة أخرى لتذوق ما أعدته من سندوتشات لذيذة أو لمشاركتها في حديث
ودي مع الشاي , أو طبعا للذهاب للحمام.
عند عودتنا في يوم السبت الموافق 8 مارس 2014، كانت دهشتنا عظيمة،
فالموظفة لم تحضر كالعادة، والمدير ايضا لم يحضر، و ظل المواطنون خارج مكتب الشهر
العقاري لما بعد التاسعة صباحاً ، لكنهم حرصوا وبوعي جمعي على إعداد قوائم بأسماء
طالبي الخدمات المختلفة من مكتب الشهر العقاري، بشكل حضاري ومنظم، لتقديمها لموظف
الشباك مع بداية العمل في المكتب.
دخلنا أخيرا، و ذهب كل منا للشباك الذي يأمل أن يحصل على الخدمة من
خلاله، في شوق و لهفة، و خاصة من يرغبون في خدمة إثبات التاريخ , وكالعادة لم نجد
الموظفة , وطال انتظارنا لها ، ليبدأ "الحاج" عادل في التحجج بنفس الحجج
, كما حرص على إخبارنا أنه لن يعمل اليوم بعد أن جاء مجبراً من إجازته , و كأننا
سبب كل الكوارث في المكتب.
حاولت مناقشته بالمنطق، موضحاً أن مكاتب الشهر العقاري بها تكدس منذ
فترة طويلة , وفرصة خروج بعض الموظفين على المعاش ، ستتيح للباقي زيادات في
المرتبات على أن يقوموا بعمل أكثر قليلا , لكنه رفض كالعادة الفكرة، وتمسك بما وجد
عليه الآباء والأجداد من عمل ، دون أدنى رغبة في تغيير أسلوب عمله وطبيعته، لتحسين
وضعه.
وعندما فاض بي الكيل ، صحت في الجميع لدعوتهم للذهاب معي لقسم شرطة
محرم بك ، لعمل محاضر بإمتناع الموظفين عن العمل ، وإستجاب البعض ، وذهبنا للقسم
بالفعل .
وهناك وجدنا المأمور، جالسا
خارج القسم يقرأ الجريدة، تحت الشمس الظريفة وخلف أجولة الرمال المحيطة
بالمبنى ، والتي كونت فناء خارجي صحي وهاديء،
خاصة أن السيارات ممنوعة من المرور أمام القسم.
توجهت إليه فورا بالحديث، موضحا أننا أتينا للإبلاغ عن إمتناع عن العمل
في مكتب شهر عقاري محرم بك , فأمسك بهاتفه المحمول ، و طلب الأستاذ "فرج" ، مدير مكتب الشهر العقاري
شخصياً ، والذي إعتذر له عن عدم وجوده بالمكتب موضحاً أن "الأستاذ"
ممدوح ينوب عنه ، و نفى إمتناع الموظفين عن العمل , فطلب منه "المأمور"
إبلاغ "الأستاذ" ممدوح بأن هناك من سيأتون إليه مجددا، ليتم لهم ما
يريدون من خدمات.
إنتهت المكالمة، و طلبت من المأمور إثبات واقعة الإمتناع عن العمل ، إمتنع
ورفض طلبنا , فقد اتى لنا بـ "فرج" على الهاتف ، ولم يكتفي بذلك بل صاح
في وجهي قائلا : "مش كفاية بتكلم على حسابي علشان اخلص الموضوع , و بعدين
إثبات حالة ايه , عايز تعمل محضر اتفضل ".
و بناءا على طلب من كانوا معي من جمهور المواطنين، عدنا لمكتب الشهر
العقاري للسؤال عن "الأستاذ" ممدوح , والغريب أن الجواب كان "الأستاذ
ممدوح إجازة".
لكن المفاجأة اننا وجدنا "الأستاذ" عادل يعمل بهمة و نشاط، ,
ووجدنا موظفة إثبات التاريخ خلف شباكها
العزيز ، تعمل وهي تتمتم بعبارات ساخطة و غير مفهومة, ووجدنا وجوه المواطنين
العابسة تحولت للإبتسام و هم يتغامزون فيما بينهم:"هما كده، لازم يشتغلوا
بالكرباج".
و برغم سعادتي بالورقة
المختومة والتي
حصلنا عليها في النهاية بعد كفاح لما يزيد عن أسبوع ، إلا إني حزنت جدا لما يحدث في مجتمعنا، فـ "كرباج" المجتمعات المحترمة هو القانون و القانون فقط ، و ليس أبدا تليفون المأمور لـ "فرج" لكي
يتحايل على إثبات فساد مؤسسي نظرا للعلاقة الشخصية بينهما.
المواضيع المرتبطة:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق